الرئيسية » » هُنالِكَ فِي الْمَقْهى | سامي طه | العدد الخامس والسبعون | سلسلة كتاب الشعر

هُنالِكَ فِي الْمَقْهى | سامي طه | العدد الخامس والسبعون | سلسلة كتاب الشعر

Written By هشام الصباحي on الجمعة، 3 أبريل 2015 | 11:13 ص


"هُنالِكَ فِي الْمَقْهى"

قصائد من غربة الصمت

سامي طه







هـواء المقهى





هواء تسلل نحونا من اسفل المائدة ..
هواء لطيف يتســرب ..
هواء قديم يجمعنـــــا ..
يقول صديقـــــــــي ..
هواء تعبق منه رائحـــة الإرث ..






تعبق رائحة المقاهي القديمــــــة ..

فيه صورُ فرسانٍ
 يتمنطقون بحمائل واغماد ..
يحملون أسلحة وبنادق ..
يحملون سيوفـــــاً ..
يمتطون خيولاً تثير الغبار عريضاً ..
يتنادون بأصوات مبهمــــة ورموز ..
في نهايات رحلة مجدبـــــــــة .
يحدثني عن هواء قديــــــــــــم ..






هواء يتسرب عبر النوافذ محملاً بالغبار ..
 يركد في زوايا البيت ..



هواء يحمل ثقل التاريخ ..
الذي يتمثل بعربة تغطس في ماء راكد ..
في وحل ..
لان التاريخ يتمثل .. بعربة بلا حصان ..
يتمثل بعربة قديمة .. عجلاتها نحتت من الصخر ..






ونحن نطلب من الهواء ان يدفعها ..
ان يدفع العربة التي لا اشرعة لها ،
هواء ..
 يحمل رائحة الطفولة ..
متمثلةً بثياب .. في ثناياها مسحوق معطر
 تختلط رائحته بحموضة الحليب ..











يتحدث عن هواء اليف ..
يقصد .. لا يحمل في يده حربة..
ولا يحمل في يده خنجراً ..
 يتحدث عن هواء مسالم ..
هواء يعود مساءً الى البيت ..
يحمل في يديه خمراً وزيتاً ولبناً رائباً ..
يحمل نهاية فاجعة ..
أملاً يضمحلُّ ..
يحمل أميراً ميتاً ..






ووردةً ذابلة تسقط على الارض ..
يحمل أكياس الخضار والفاكهة ..




الخضار الرديئة ..
في أكياس تتمزق حين يدخلها الهواء ..
يحمل خطوته التي تتعثر.. حين يصعد السلم ..
تتعثر.. حين يحاول قراءة الابجدية ..







حين يتهجأ العالم ..
العالم المدثر بالتواريخ ..
العالم الذي تثقله النصب ..
نصبٌ تمد ايديها الى الناس ..
لتتسول .. الرضا ..
او لتفرض أرادتها ..
نصب يثقلها الجهل ..
تفتقر الى الحكمة ..
او نصبٌ تفتقر الى الروح … ترفع ايديَها




 في الهواء
 لتمنع شراً يتساقط ..
او لتحدد اتجاه شر ينطلق ..

او تضع يدها في اتجاه الشمس ..
لتقي اعين الحجر من الوهج ،


يتحدث عن هواء
تموهه الاساطير ..








كان المطر يسقط .. حزناً
 على التراب ..
حين راح يبحث عن أسرار الأمطار المتلاحقة ..
المآتم .. النساء اللواتي يتلفعن بالنشيج الاسود ..
الاحزان المتكدسة التي ينشرها انفجار كتلة الحديد ..
" وكنت يومها ابن ثمانية" ..

عندئذ اطلع .. على اسرار غربته المرعبة ..

"وقفت اتفحص ارثي .. في صندوق يحتفظ بالعفن " ..







ثم اصبح الرعب والدخان يملآن كل ذكرى لاحقة ..

كان عليه ان يحرق الكثير من الذكريات غير الملائمة ..
ثم يتوقف عن البوح بعد ..


يقول "لعلي غداً ..
وغداً ..
وغداً .."







وكل غدٍ آتٍ يقترب منا ..
يحملق بعيني الفواجع ..
يثقلنا برائحة نخيل تحترق ،
 وينثر علينا سخامه الاسود
يتراكم ..
يثقلنا بالرهان الذي يتشظى ..
بكيس البقالة الذي يتمزق ..
يتركنا نتعثر في أول درجة من السلم ..
في أول خطوة لنا ..







من طريق امياله الالف ..

نتعثر بالرمال التي تملأ البيت ..

نتعثر بالعظام المدفونة بالرمال ..

(بالهياكل) المدفونة في الصحارى ..
بفكِّ حصان ..
من بقايا جياد ..





بقايا الحصاد ..
 الذي جف قبل الاوان ..
والذي سيتعفن بعد حين ..
او يستحيل تراثاً مختنقاً ..
وعذاباً ..
وتاريخاً يترنح ..
ليس من السكر .. بل لسبب اخر ..


وكل غدٍ آتٍ يجيء ..
بعد مساء الفجيعة ..






مثقلاً ..
منتفخاً بالمجادلات والتمويه ..
والتزلف ..
متخماً بالتنفج المتبادل ..
بعد ان يأتي على بقايا طعام الصحون ..
وهو يتنشق رائحة الثملين يقيئون ما ازدردوه من البقول ..


غدٍ يتحدث عن روعة السراب ..
"سنحصل على مكافأة سخيةٍ " .. يقول ،






سوف نُـنْـتَـشَـلُ من وهدتنا .. يزعم ..
يترك الفاظه تتمطى .. على صفحة الريح ..
او صهوة الهواء ،
الذي يتسرب اسفل المائدة ..

يترك الفاظه تتشظى ..
تتفتت .. غباراً يحط على الفوانيس ..
في خفة الزغب المتناثر على الموائد ..
على المقاعد والاغطية ..
اغطيةٍ مثقلة بالاقداح ..






تمتلئ وتنضب .. وتتصبب عرقاً ..
وتثيرها لمسات الاصابع ..
تثيرها النسمات ..
تتجشأ .. كلما تجرع من الكأس ،
وهو يميل على جهة الفصاحة ..
وهو يفتتح القوس ..
وهو يزم شفته ..
كي يلم الشتات من وجهه المنحرف ..








يترك الفاظه في الاعالي معلقة ..

"سوف نُـنـتَـشلُ من الهوة" يقول ..

وهازئاً قرينُهُ يفكر ..
" بماذا سيرزقني ..
بشويكة الهندباء ولحاء الشجر ؟ ..
ام بعشب الخنادق وجذور النخلة ؟ ..
ام بامعاء تستطع هضم هذا الجفاف ..
بمعدة تتقبله ..






بلثة تصمد لها ..
باسنان تُقطِّعُها ..
..

كان يجري خلف زوبعة ..
خلف زوبعة مظلمة ..

يحاول ان يهدأ في اعقاب الخذلان المظلم ..
المظلم والشمولي ..
ثم يتمطى ..






والفاظه تتمطى ..
تنحدر على السفح باتجاه هواء كامد بلون الرصاص ..
هواء يهب على وديان مقفرة ..
يثير غبار الصحراء الساخنة ..
هواءٍ يرفع مديته في وجه احلام غافية ..
ويمسد على شعرها ... الملبد بالدماء .


 

 

 

 

 

 

هنالك في المقهى



وتمضي بهن جميعاً ..
الاخت الى صديقتها ..
الزوجة الى طبيبتها ..
الابنة الى معلمتها ..
تذهب بالنساء جميعاً ..






الانسة الى المستشفى ..
والسيدة الى العمل ..
والطفلة الى المتنزه ..

ثم تلتفت الى فراغك ..

هنالك .. حيث المقهى ينتصب في خلود ..

هنا تكتئب ..
او تكتب .. قصيدتك ..






والنادل العجوز يغض عنك الطرف ..
بغية ان تحسب حسابه في المرة القادمة .
في المقهى ..

هنا .. يتبارى المتبارون ..

ينبري المنبر سيداً للمواقف ..

هنا .. في المقهى ..
يرقص لاعبو السيرك ..


والاضواء ..
والمباغي تندرج في القائمة ..


ويظل التشبث هو الشعار ..

في المقهى حصادنا القديم ..
المتيبس ..
مستقبلنا اليافع الذي يتهاوى ..
حصادنا الذي يتكدس ..
مستقبلنا الذي يتجلى ..








هنا في المقهى
– رغم اننا نغض الطرف ، كنت اقول لها..
ان شجرة الكمثرى تشيخ ..
كنت اقول لها ان ثمرتها – وهي ثمرتنا ..
تذوي ..

كنت اقول لها ان العبور من ثقب ابرة مستحيل ..
فنهضتْ عن المائدة دون افطار ..
لتفرض علي إرادتها ..







لماذا يظل التشبث شعارنا ؟ ..
....
.. فرضتْ علىَّ ارادتها ..
فارتديتُ قميصي القديم ..
هو ذات الرداء ..
( لقد أرادت ان تفرضَ ) عليَّ إرادتها ، فارتديت قميصي القديم..
وانتهى الامر ..
القيتُ أسمالَـــكم في القمامة ..
فما عدت اؤمن .. بعدالتكم ..
 ..







 تحصدون المجد ، وانا ادفع الثمن ..
انتهى الامر ..
انتهى الامر ..
القمامة انسب مكان لأسمالكم ..
الذي يحصد المجد يقول لي هذا حسن الحظ ..
وانا ادفع الثمن .. وهويقول لي هذا حسن الحظ ..
وهو يحصد ما زرعت ..
يوسع حدوده ..
ويبني امبراطوريته ..






اهذا عدل حقاً ..
لقد انتهى الامر ..
آن لي ان اعلن عن نفسي ..
أن اقول ان الحقيقة هي انا ..
أن اعلن ذلك هنا .. في المقهى ..
حيث العالم يتمدد .. على الأريكة ..
غير مبالٍ ..








هنا حيث النادل الردئ سيد الجميع ..
وحيث الشرطي يقف امام الموقد ..
متكـئاً بذقنه على الهراوة ..
وهو يجمع عليها أصابعه ..
ولذلك فأننا في المقهى ..
كما في السيرك ..
نرتعب ونرتعد ..
نتلاعب بألفاظنا ..
ونرقص على الحبال ..







في المقهى ..
حث ينبري المنبر ..
سيداً للمواقف ..

هنا .. في المقهى ..

حيث النادل السخيف يرمقنا شزرا ..
وحيث يرقص لاعبو السيرك ..
والاضواء ..
وحيث المباغي تندرج في القائمة ..
اقول لكم .. انه قميصي القديم ..






هو ذات الرداء ..
لقد انتهى الامر ..
القيت اسمالكم في القمامة ..









النادل .. او كيان المقهى




المدينة من .. _ هكذا _ .. تتكوَّنُ ..
الاتساع والارتفاع .. ارتفاع العمود ..
او المسافة .. بين الأرض .. وبين الاقدام المتأرجحة ..
أقدام المشنوقين ..
نهاية الغاصب ..
....





عند دخول المقهى ..
نجد الماضي في استقبالنا ..
الخُضابُ يُحاورنا ..
النادل المتغطرس .. يتجاهلُنا ..
او ينظر نحونا شزراً ..
يسترق النظر .. يسترق المعرفة .. بوجودنا ..
باحتمالات نزقنا ..
و تهوُّرِنا ..
يستطلع .. تدخلاتنا ..








يستبد برغائبنا .. يماحك في حضورنا ..
في حقيقتنا و احقيتنا ..
ويفترض .. تلاشينا ..
يبتكر غيابنا .. اقصد ..
....
ربما

هو في الليل .. يحدث زوجه متشكياً لها من ابتذالنا ..
او ينتقد امامها بذاءتنا ..







ونعود نحاور الخضاب .. اقصد الشيب ..
اقصد طغيان الفضة ..
التي تذوب في امعائنا ..
لتطفو على حافات لوامسنا ..

اقصد رغوتنا ..

اليست الرغوة مشروعاً دائماً ؟ ! .. مشروعنا ..
 نفسر ذوبانَه .. نستهجن انتفاخه ..
ثم نعود للحديث .. عن مفاخره ..
 واستعلائه ..





اليست الرغوة هي ابتكارنا وزلفانا ..
اخترعناها من اجل ان تُزَيَّت بها - كي تنزلق –
عُـملتُنا ..

اقصد ..
 انها تصبح – بلا رغوة – صلعاء .. ذات مظهر ابله ..

اخترعنا الرغوة .. من اجل ان تَـزِيـْن دَجلَـنا ..
نخلط بها اصباغنا .. بخورنا ..
و بها ننتشي ..






الرغوة تتكاثف دائماً .. حينما نلتقي ..
 في مقهانا ..
....
وحين تضج بنا المداهنة .. حيث يتكور ازدراؤنا ..
حين تنتفخ امعاؤنا – فلا بد لنا من بلاء ..
لا بد من بلاء .. يحل بنا ..
وشر يهوي علينا
كي نتراقص في خيلاء ..
دائماً ..







لا بد من سديم يُثـقَـلُ بنا ..
لا بد من رصيف يعتبرنا ..
كي نغرق في خمور بمستوانا ..
نلتحف ملاذات ..
تتمزق في منتصف الصفحات ..
لتبدو منها صورة ناب يتعثر ..
صورة ناب يعتذر .. يتشنج ..
صورة ناب يخرج عن الصف ..
 لينغرز في دروبنا ..
ونلتقي في المقهى من جديد .. فيثب نابٌ لمحاورتنا ..






نلتقي في المقهى .. كي نغطس في هدوئنا ..
لحظة بعد لحظة ..
كي نعالج تجردنا ..
ذاك هو فناؤنا ، ثم ننفتل ..
علناً ..
ننتحي في زاوية المقهى ونحطم الواحنا ..
كي نطعم كلابا جذاذاتِـها ..
كلاباً انيقة تقتنيها .. فتيات يصاحبننا ..
ايديهن تلعب باشيائنا المتعددة ..
معهن نمارس تهتكنا .. في الاماكن المناسبة
 في الاماكن اللائقة ..





نلتقي .. كي نتبادل اعتذاراتنا ..
او نتبادل تبجحاتنا ..
او أزرار معاطفنا القديمة..

في المقهى اذن ..

كما في السيرك ..
نرتعب ..
او نرتعد ..
نتلاعب بالفاظنا ..
ونرقص على الحبال .






الخروج من المقهى



لأخٍ هو اكبر مني .. قليلاً ..
تقول التواريخ ،
أجمل مني قليلاً .. وأفضل مني قليلاً .. تقول النساء ،
واسوأ مني كثيراً .. يقول ابي ..
أتخيله الآن في سكرة ..






يتخيلني الآن في صحوة ..
يتخيل دوماً ..
و يسكر دوماً ..
ويكشف العابنا ..
ويلقي بأوراقنا في الطريق ..

ابتكرنا معاً لعبة ، نتثاقل في نومنا اذ يفاجئنا الصبح ..
كَيْ نتحدث عما تقول فتاة من الحي راح يغازلها..
 في الظهيرة ..
وهو يعود من السجن ..





هل كان في السجن دوماً ؟!
أكان الذي فيه .. خوف من السجن ام ولع بالمخاوف ؟ ..

يتركني دائماً .. في الطريق الى البيت ..

ينسى كثيراً حقائبه ..
في بلادٍ يعود اليها .. لينسى حقائبه في بلاد .. فكيف يعود
أينسى .. هموماً تؤلف ما بيننا .. وحنيناً رعانا ..
وأغنيةً كان دوما يدندن الحانها .. 
وهلالاً نراقبه لا يكاد يبين ..
وبدراً تغافله الحوت (منحوتةً من عجين وطين ..





تقول الأحاديث) ..

كان يهذر دوماً باشياء لا تنتهي عن حياة المنافي ..
يقول "حياة المقاهي " ..

ويرسم ..
طيراً يسافر في الأفق ، حين تكون السماء مؤطَّرة ببصيصٍ اخير من الضوء..

يرسم انثى بأجنحة .. لا ملامـح – دوما تكافح دوامة او لهيبا .. -





ويرسم نهرا تسد البنادق مجراه ..
او تعتـري ماءه ثورة ..
غيرُ منتجةٍ ..
او نجوماً حزانى تطل ..
رجالاً يتيهون في زرقة ..
او نساءاً يحدقن في اثر ميهم ينمحي في طريق بعيد ..
او يعانين من خيبة ، يقرأ الطفل فوق المسلة .. سطراً " ..
… …
(لن تعيد القوانين ما ضاع) ..








كان يثور كثيرا كثيرا
 ويلعن اباءه وزمانا رماه بنا .. او رمانا به ..
ويغضب من .. لست اعرف ماذا ..
لست اعرف ماذا دهاه .. لست اعرف اين مضى ..
في المنافي يضيع ..

لأن ابي لم يصُنَّا / يقول ..
لأن ابي باع مستقبلاً طيبا ..
راضيا بالسكوتْ ..






وصفق في زمرة الراقصين امام العروس – تزفُ الى غاصبٍ ..
لأن مسدسه النصف وبليّ أغفى ..
وخافت مؤخرةٌ ان تموتْ ..
لان الجميع اهينو .. وهانوا ..
وصدَّق من صدَّقوا ..
وصفق من صفقوا .. للسياط
التي فرقعت في الهواء ..

ومات الذكاء ، وساد الغباء " يقول ..






"ولكننا نستحق المزيد ..

إنكم تستحقون ان تُصلبوا في الحديد ..

مزيداً من الجوع يارب ..
مزيدا من الموت ..
عسى عارَنا ينمحي ..
عسانا نقطِّع عنا وثاق العبيد ،
 عسانا نمزق عن خوفنا
 صور البوسترات العريضة .. خلفية من مياهٍ وخلفيةٌ من جبال ، وخلفية من شجر ..






ووراء الذي هو خلفيةٌ يكمن الخوف مختبئا ..
لو اتحنا له ان يطل ! ..
لو اتحنا لانفسنا ان تواجهنا ..
عساها تفيد حبوب الشجاعة ..
او جرعة من خمور مسلحةٌ بالرصاص ..
كنا اتحنا لانفسنا فرصة الصحو ..
واعتذرنا لاخطائنا والخطايا ،
واعتذرنا لصمت القبور ..
للاّ مبالاة ..
للمثل الذي شاع [ عن لحية ينبغي ان تُخَلَّص ] ..



....

كان يجلس فوق تخوت المقاهي كعاشق ..
ويعشق رائحة الشاي يغلي على الفحم ..
كان يحب " الوِجاغَ " .. يقدس ابريقه ..
يعشق " الاستكان" لا الاستكانة ..
الحصير على التخت يحسبه قطعةً من فراش الملائك ..
كان يعشق مقهاه .. يقدس حيطانها .. أرضَها والتراب ..

كان يحب الذين يعيشون فيها .. ولكنه كان يسقط في خيبة لا يرى بعدها أملاً في خلاص ..
"سأهجركم ايها الفاسدون / " قرأْنا رسالته ..







[ سأمضي الى حيث ابكي عليكم بحرية – حيث لايكون  رقيبٌ على الدمع – ان المنافي لها دفؤها ايها الخائفون ..
وطعم السكوت كطعم الرصاص .. ]
....
لأخٍ هو أحكم مني قليلاً ..
واشجعُ مني كثيراً ..
كثيراً ..
تذكرته حين لات مناصْ ..








سلم الهاوية





لم يكن سلّماً للنزول ، ذلك ماكنت أقصد ..

وقع الأمر .. إبان صعود نجم النادل

في ذروة بريقه تقريباً ..

حين ظن الكثيرون

أنه صار على أول السلّم ..

عندئذٍ أثبت للناس أنه ـطوال الوقت ـ يفكر  بالسلالم /

أليس علينا إذن

أن نفكر بمسألة السلم

يومها خاطب رواد المقهى / إن المقهى يجب أن ينقل ـ

لضرورات تاريخية

الى الطبقة الأعلى " فعلى كل مواطن شريف غيور ..

أن يبذل جهده ويشمر عن ساعد الجد ، للارتقاء بالمقهى

التي أصبحت بشهادة العدوِّ قبل الصديق

خلية نحل تعج بالنشاط "

كنت يومها أتطلع الى شراء حذاء جديد

بكعب أعلى قليلاً ..

غيرَ أن أسعار الأحذية بعد عودتي من دمشق

قد أخذت " بالصعود " ، ومن يومها شعرت بالحسرة






لأني تركت دمشق ... وعدت / ولكن ..

لكي أقول الحقيقة / إن من رأى السلم في حينها

كان ليشعر بالرغبة في أن يغامر ـ ويشمرُ عن ساقه

لم يكُ الأمر / في أول الأمر / صعباً

أول السلالم كان يعمل بذاته صعوداً ـ في اتجاه وحيد ـ ما

عليك سوى الاصطفاف

ولخوض التجربة بلا تردد .. سقانا النادل ـ النذلُ ..

" بدون مقابل .. هنيئاً .. لكم المجد " ثم يقهقه / عندها ..






انطلق المضحون .. " فلنكن أول من يضحي .. وآخر من

يستفيد "

تفعل الخمر .. الأعاجيب .. الألاعيب .. تفعلُ

لكنِ اللعنة تفعلُ أيضاً .. / ففي نظرة المسترق عند حافة السلم

ستبدو لك الهاوية

مرعبةً لمن يختلس النظر

وفي غمرة الحماس والنشوة .. اذا بالنادل يسبق الحشود

ليتقدمها .. في الأجزاء القادمة من السلم

تاركا في الأسفل الزبانية

ليسوقوا الحشود






سكارى ـ وليسوا سكارى  ـ ينطلق الأوائل

في أثر النادل  / هاتفين بحماس.. / .. / .. /

في أثر النادل .. ينطلق إذن .. رَكْبُنا السكرانُ .. على السلّم

يترنح .. / خطوتين نحو اليمين ../ خطوتين نحو الشمال

../ خطوة أعلى ../ عثرة أغلى .. /

على السلم الذي راح يمتد شاهقا ، لتكونَ

الهاوية أشد عمقاً

......    .....

ينطلق الركبُ






خلف النادل الذي يترنح .. ويتمسك بالعُرى

ويلتفت / بين حين وحين / ( ليبصقَ ..)

نحو الحشود التي تتسلق .

..
....
في مواجهة الخوف .. من منظر الهاوية

والسقوط الشنيع

تمسكتُ بالنشوة السانحة

بالحلم / بالأمانيِّ .. / بالخيال .. بالرغبة الجامحة

في أن أرى المقهى حقيقة شامخة ْ.. في الأعالي







حلمٌ ـ أدري ـ بعيد المنال ِ

وتلفّتُّ حوليَ أبحث عن جرعة من تلكم الكأس

ولكنَّ مرأى الزبانية الهائجين .. يُغْني ..

وأسوأ من كل بأس

مصير الذي ينثني .. الهاويه ْ

..

ويظل بصيص لعين من الأمل المتحذلق

يخالجني ويخاتلني ..









أن يدفع الحشد نادلهم في نهاية تلك السلالم

أن يقذفوه ومن ..

معه من زبانيته ْ

في لحظة غضب ٍ ـ أو سكر ٍ ـ أو بلحظة يأس

أن يطيح به أحدٌ نحو هاويته ْ.

..

ويمضي إذن .. ركْـبُـنا ..

صعوداً  ..






يترنح .. من خشية ٍ

أن يتمزق كيس البقاله ْ

فيهوي .. بأسمائنا .. أو بأشلائنا ..

في ( الزبالــــه ْ)

.....

...

..




 




 

 

 

 

بيان المقهى





ثم دخلنا الى العالم ..
الهواء لم يزل يتسرب نحو اقدامنا ..
وكان حنين قديم يجرجرنا





 نحو التشبث والاكتشاف ..
لنقرر..
 مستقبل النادل .. ومصيره ..
اقصد ..
 كنا على وشْكِ ان نحتفل
 بغموضه ..

لأنَّـا افترضنا .. انه يتلاشى
 يوما بعد يوم ..
 يضمحلُّ .. ولكن ..
اكتشفنا .. أن ما يتلاشى هو الارض من تحتنا ..






و نحن الذي يضمحلّ ..
و ننضب نحن ..
ونفقد ما عندنا من كثافة ،
 غير مرئيةٍ ..
بل وغير مؤكدة ..
...
نفقد ماءنا ..
والنسيج الذي يربط اجزاءنا ..
نفقد الاتون الذي يختصرنا ..
الموقد الذي تنصهر فيه تناقضاتنا ..






تناقضات ارادتنا الصارخة ..
جهلنا .. الذي هبط علينا  ..
مع الوحل ..
مع ديمومة الدم ..
مع تكون الكينونة
 مع ملح الماء ،
مع نارِ التراب ..  التي راقصت  تحولَنا ..
واكتسبت انوارنا وعكست اشعاعاتنا ..
وتفاعلت بانشطاراتنا
 ورست عليها ترسباتنا ..




والتي راحت تلتقط شظايانا ..
أتونٌ أخيرٌ أحاط بنا ..   
اتون مفزع .. يحوّلنا ،
يخلطنا بالذي ليس نعلم ..
وصرنا نجيء ..
 من وحولة مرتبكة ..
تختضُّ ..
 بولادات بويضاتٍ .. أشنيات .. سوطياتٍ تتزاوج ..
تتراكم وتلتحم ..
تتوحد وتتعنقد .. ثم تتمخض
عن سقالة جديدة ..
عن هيكلية متواصلة ..




عن تراكم يتنامى ..
عن تزاوجية لا تنتهي ..
تنجم عن شهوانية ابتلاع اهوج ..
عن فجاجة متدرنة ..
 تضطرب في الصفوف المتراصة .. في تخوم المقهى ..
وعن سماجة موحلة ..
لان صمت المقهى لا يـدوم
لأن المقاهي تختلف .. عن المقابر ..

و إذنْ ..

فقد آن لنا الآن ..





ان نعلن عن انفسنا ..
ان نقول ان الحقيقة ذاتنا ..
وان صوتنا هو الخلاص ..
رئتنا هي الهواء .. هي الاوكسجين ..
وان خطانا .. ترسمُ الاتجاه الصحيح ..
وجودُنا يعني .. الزمن ..
...
يتدفق اذن دم صاخب ..
دمُ التكون العميق ..
دمٌ يحمل رائحة الخصوبة ..
دمٌ يعبر عن الفعل ..







يذكر بالاشتهاء ، ويمور ..
يتجمع في بركة و يفور ، يتمخض منها عمود يندفع ..
في داخل الارض وفي عمق الفضاء ..
ليس دما يصبغ الافق ،
 بل دمٌ يشعل الحرائق في العفن المتلبد..
دم يصيح في الفضاء ..
"اضربوا بي ! .."
فتهوي على رؤوسها نصبُ خاوية سوداء ..





ويصيح في البراري "اهتفوا بي " ! ..


فتطّايرُـــ في الريح ـــ ابنيةٌ ثقيلة

 يعيش تحتها الخراب ..

ويصيح في الوديان ..

"انهضوا بي ! "

فتنهض المقهى ..



وتنكسح الاتٌ والسنةٌ وأبواقٌ وصحافةٌ

 عاهرةٌ .. وفسادٌ شامخ..

ينكسح تعجرفٌ وتتهاوى خُيلاءُ كاذبة ..

ويفتضح غرور زائف ..

تتمزق طبول.. جوفاء ..

يتيبسُ تعفنٌ عتيق ..






ينبثق على وجه الارض .. طوفانٌ مُطهِّر ..

يغسلُ .. كل قذارة .. يزيل كل سوء ..


ثم تزهر الارض بعد مغيض ..

وتشرق شمسٌ ..

تتلألأ ..

وتزدان الجهات الاربع باقواس الحب





 وتخصُب الارض / ويعم النماء .. وتزدهر المقهى ..

وتثمر الشجرة التي في فنائها ..

ويعطي الضرع ..

ويصير الهلالُ بدراً في مساء المقهى ..

وتغني الطيور في حديقتها ..

تعود جميع النساء صبايا ..





ويصبحن اجمل .. حتى من الحور

وأفتى ..

تكون مياه الانهار اعذب ..

ويشمل الجمال الكون ..

وفي ارجاء المقهى العظيمة .. تصدح الموسيقى ..


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.