الرئيسية » » أغنية على بحر إيجة | محمد متولي | العدد السادس والسبعون | سلسلة كتاب الشعر

أغنية على بحر إيجة | محمد متولي | العدد السادس والسبعون | سلسلة كتاب الشعر

Written By هشام الصباحي on السبت، 13 ديسمبر 2014 | 10:58 ص













إزمير «1»





















«1» لغة غريبة

عدَّلت من هيئتها
مرآتُها صفحة البحرِ
ثم سارت مع رفيقها الغريب عن بلاد الأناضول
فتاةُ إزميرَ ذاتُ الشَعْرِ الأشقرِ
الذي تتخلله شريطةٌ حمراءُ
توقفا عند بائع بلح البحر على الكورنيش
وابتاعا من عربته القليل بعد فصال
جلسا في مَرْكَبٍ بحري لا ينوي على المغادرة
شاهدا مغرب الشمسِ
ثم قرأ لها شعرًا
حينها قالت: البحر يكفي!
***

حين ذهب وحده مساءً
إلى محل الخمور الصغير
قُربَ بناية البنك العملاقة
وجد ضالته المنشودة
زجاجةَ Haig
التي توقف المصنع الاسكتلنديُّ عن إنتاجها
منذ عشرين سنة
التقطها بفرحة رومانسية غامرة
جلس وحده يحتسيها
في شرفة الفندق المطلة على البحر
ثم بدأ ينطق كلامًا غريبًا
ظنه البعض لاحقًا
شبيهًا بلغة الأتراك!
                                   15/يونيو/2013




«2» سحابة عابرة

كانا على الشاطئ وسْط الجموع
في ليل إزمير
وبعدما قبَّلته قبلةً عميقةً
مائلةً بجسمها إلى الخلف
تقيَّأ على صدرها
ثم اختفيا من المشهد
وحتى هذه اللحظة
لا أحدَ يعلم
إلى أي كالوسٍ ذهبا
كانت الخشبةُ معدةً
لاستقبال شتى أنواع الصعاليك
لكنهما- تحت حرج اللحظة-
آثرا الابتعاد المسالم
حتى لكنت تظن
- لو أنك شاركتني متعة المشاهدة-
أنهما قد تلاشيا
كسحابة صيف عابرة
تحت شمس إزمير!
                                   16/يونيو/2013











«3» كانوا طائرين فوق الخليج

يا بنات إزمير
جَهِّزْنَ المزامير
فإن «جوزيل»
ابنةَ الغجر
قد خلعت حجابها
وانتعلت كعبًا عاليًا
وارتدت تنورة مُكشكشة قصيرة
كيما تلتقي «ميميت»
ابن الذوات
الذي يمتلك قلبًا حنونًا
ولكنه يكره الكلاب
***
قمرٌ برتقاليٌّ
فوق بحر إيجة
رآه سائحان، قادمان من مصر،
من شرفة الفندق
ولم يصدقا- حتى هذه اللحظة-
ما شاهدته أعينهما!
***
نهارًا
كان بائع الأعلام الوطنية الغجري
يود اللحاق بالمظاهرة
لكنه تأخر قليلًا
ليُطعم كلبين ضالّين
في الحديقة المشرفة على الساحل،
هبَّت ريح عاتية
طيَّرتْهُ فوق الخليج
فوق رؤوس المارة
وزبائن الكازينو البحري
والعشاق الذين آووا
إلى شجيرة ظليلة
تعصمهم من الشمس والأنظار،
هبَّت ريح عاتية
طيَّرته فوق الماء
لأنه لم يفكر لحظةً
في تَرْك تلك العِصِيّ
التي تحمل الأعلام!
***
عصرًا
في السوق
كان ثمة مهاويسُ يجوبون الأزقة
زاعقين بهتافاتٍ عبثية في مكبرات الصوت
حتى أتى المساء
وأضيئت أعمدة الإنارة
فابتسم البعض بعد تجهُّمٍ
ثم طالت قامات بعض المشاة
قصرت تنانير بعضهن
أما الأعلام الوطنية
فقد عبرت كغيمة دون صاحبها
وقد قيل إنه في تلك اللحظة
نبتت للبعض أجنحةٌ
طار بها
فوق خليج إزمير!
***
«ميميت» و «جوزيل»
تحت الشجيرة
إذ إنه خجل من أن يصطحب غجرية إلى الفندق
وكانا يتلاطفان
وسط العشب الفائح بيود بحر إيجة،
حين انحشر طائر إمريٍّ
في باب الفندق الدوَّار
دخل السائحان
اللذان شاهدا بالأمس قمرًا برتقاليًا
-يتدرج من شُحة الضوء إلى الدكنة حتى يختفي-
فطار الإمريُّ
فوق رأس عاملة الاستقبال
***
حين كانت «جوزيل»
تُقَبِّل «ميميت» في ظل الشجيرة
خطف كلبٌ ضال
حذاءها ذا الكعب العالي
وهرول عاويًا صوب البحر،
نظر العاشقان للأعلى
فرأيا سماء داكنة
بلا قمر برتقالي
وكان أبوها الغجري
-بلا أعلام-
طائرًا
فوق خليج إزمير!
                                   18/يونيو/2013











«4» تمثال العشاق

وكأن صفيرَه الشَّجِيَّ
يخرج من مزمار
ثمة رجل يُغَرِّد وحيدًا
بحذاء الساحل،
وفي شرفة الفندق
شاعرٌ - ساعة الفجر-
يستدعي قصيدة،
في المقابل صيادٌ
ذو سِنارة بدائية
كانا يتحاشيان النظر إلى بعضهما
كيلا يجلبُ أَيُهما
سوءَ الحظ للآخر
أو ربما لأنه في المنتصف تمامًا
تجمد عاشقانِ تحت شجيرةٍ
حين تبادلا القبلات
فصارا تمثالًا
يَجْدُرُ الصفيرُ له
تحت ضوء الشفقِ
في سماءِ إزميرْ!
                                   19/يونيو/2013










«5» تمثال الزعيم

كان ثمة قط فرعوني أسودُ
يحاول جاهدًا
- من فوق الصخرة الزلجة بفعل الطحلب البحري-
أن ينتش بقدمه
أحدَ قناديلِ الماء السابحةِ أمامه،
على مَقْرُبةٍ منه
دلَّى صعلوك ساقيه في الماء
ليستمتع بسيجارة شحذها من أحد السائحين
غير آبهٍ بلسعة القناديل
فيما حلَّق فوق الرؤوس
طائرُ إمريٍّ
كان قد انحشر سابقًا
في بهو الفندق
ليحُطَّ، قاضيًا حاجتَهُ،
فوق رأس تَمثْالٍ للمحارب الهمامِ
في وَسَط المَيْدان!
                                        
                                   22/يونيو/2013
















إزمير «2»





















«1» سمكة عقرب

دراجتان على رصيف الخليج
سنارتان منتصبتان
ورجلان يصطادان في الصقيع
يُصَفِّران لحنًا ذا شجون شرقية
غمزت سنارة أحدهما
بسمكةِ عقربٍ حمراءَ شرسة
***
كانت امرأته تغط في نوم عميق بالغرفة
وهو في شرفة الفندق
يُصَفِّرُ لحنًا شرقيًا ذا شجونٍ
اِحتفالًا بسمكة العقرب
الحمراء!
                                   13/يناير/2014

«2» غيمة مودة

ليل إزمير في الشتاء دافئٌ
رغم الصقيع
إذ إن البخار الذي يتصاعدُ
من أفواه الضاحكين
على طول الممر الساحلي
يُشَكِّلُ غيمةَ مودةٍ
تُدْفِئُ حتى قطط الشاطئ البدينة
تدفئُ حتى
من سيَعْبُر - لاحقًا - وَحْدَهُ
دون حبيبةٍ
في نفس الممر!
                                   13/يناير/2014
«3» عملتان

كان يُنْشِد لحنًا شجيًا
على آلة البُزُق
في ليل ضبابي
في الساحة العامة
- التي سابقًا قضى فيها طائر إمريٍّ حاجَتَهُ
على رأس محاربها الهمام -
حين هجم الدراجون البخاريون على الساحة
بُغية التظاهر
افرنقع الرجل المسن
محتضنًا آلته
تاركًا خلفه صندوق المِنَح
الذي كانت به عملتان!
                                   13/يناير/2014
«4» ابتسامة كلب

منذ زمن بعيد
كان السائح الذي يرقب الأحداث
من شرفة الفندق
يسير وحده كهذا الرجل
في الممر الطويل بين الشجيرات
باحثًا عن غيمة تُدفِئُه
أو إضاءةٍ أقوى قَليلًا
لمشاهدَ لا تستحق التصويرَ
في حياته
أو حتى ابتسامةٍ عابرةٍ
لكلبٍ ضالٍ
في الطريق!
                                   14/يناير/2014
«5» عمل شاق أن تبحث عن غيمة

جلس عاملا نظافةٍ
ببلدية إزمير
في الحديقة العامة بحذاء الممر الساحلي
يلعبان الورق في الواحدة ليلًا
كان بجانبهما جوالا قمامة عملاقان
ثم حدث أن مرَّ بجوارهما
رجلٌ مكتئبٌ
كان يبحث عن غيمة!
                                   14/يناير/2014




«6» دودة الخلاص

الكلبُ والبحرُ والطيرُ
والكِسْتناء
وثمة مخبول يعدو على طول الساحل
واضعًا قطعةَ خشبٍ على أُذُنِهِ
يُطَالِبُ الخالق عَبْرها
أن يَنْزِلَ بنجمة حمراء
على رأس بائع الكستناء
لأنه يَخْتَصُّ الكلبَ بكل الطعام الزائد
وكان الطير - وقتئذ -
متجهًا صوب شعر المخبول الأشعث
باحثًا عن دودة الخلاص!
                                   15/يناير/2014

«7» من يجرؤ على الاقتراب؟

واذكر في القصيد جِبْران
حيث وقف شاعر مصري
أمام قبره- أعلى الجبل - ببيروت
فاقشعرَّ بدنُه
إذ إن روح جبران انسلت في وريده
لتُخْبِرَهُ عن بعض أساطير الأَوَّلين
***
واذكر في القصيد شاعرًا
تمترس على منصة حجرية
في مدينة إفيسوس
شَمالِ «سْميرنا» - إزميرَ لاحقًا
حيث البرلمان اليوناني في القرن السادس
وكان يُدعى هيبوناكس Hipponax
بُحَّ صوتُه
من أجل الخير والجمال
ثم غَدَتْ «إفيسوس» أطلالًا
واتخذ محيطها لقب «سيلتشوك»
تَبَرُّكًا بالغزاة السلاجقة
وظلت كلمات «هيبوناكس»
تحلق فوق المكان
مصحوبةً بِشَبَحِه
وجاهزة للانقضاض على وريد أي شاعرٍ
يجرؤ على الاقتراب!
                                   16/يناير/2014





«8» الحياة في إفيسوس

حين تخرج من المَبْغَى
- المحاطِ بإعلانات مثيرة للعاهرات
منقوشةٍ على الحَجَر الأرضي-
تتجه إلى المكتبة العامة في إفيسوس
حتى تتثقفَ بعد قضاء النزوة
وإن كنت تبغي غاية الكمال
كشاب يوناني يافع
عليك إذن- بعدها- بالجمنيزيوم
حتى يتسنى لأحد هؤلاء الهواة من النحاتين
رسم صورتك- ذات العضلات المفتولة-
ملء حجر جانبي!
***
بيد أن شاعرًا مصريًا
حدث ذات مرةٍ هناك
ولم يلحظ سوى القطاط البدينة
- جاثمةً في الجوار -
قال للمرشدة اعذريني!
بلادي مليئة بالأطلال
وأود الآن أن أجلس
على ضِفة خليج «سْمِيرْنا»
وأسائل بحر إيجة
الذي هجر «إفيسوس»
- نتيجة الزلازل المتعاقبة-
عن صيد جديد
تُباركُه الآلهة
تحتَ شمس خجولةٍ
في الشتاء!
                                   16/يناير/2014

«9» مقبرة الأمنيات

عبَّارةٌ تشق الضَّبابَ
لتُقِلَّ العابرين
وسحابة بالأعلى
لتقل أحلامهم
حين ذهبنا إلى دير العذراء
في طريقنا إلى إفيسوس
أوقدنا الشموع
وشربنا من ماء النبع المقدس
ثم اكتشفنا بالخلف
مقبرةً للأمنيات بطول الجدار
على هيئة قصاصاتٍ ورقيةٍ
عشر لغات أصرت على
دفن أحلامها
على هذا الجدار
فلم يجرؤ أيٌّ منا
على إضافة أيّةِ قصاصةٍ جديدة!
                                   17/يناير/2014












«10» إزمير: سفينة نوح

تلكم المدينة
- دومًا -
صقيعها
يجذب من كل زوجين اثنين:
صياديْن بشصين بدائيّين
عاشقين ساذجين
كلبين تبادلا معهما نظرتين
عامِلَيْ إنشاءٍ على ركوة من النار ساهرِيْن
طائِرَيْ إمريِّ متربصين
وعبارةً تشق ضباب الخليج
وعلى مَتْنِها
من كل المدينة؛
سُوَّاحٌ وقطط وببغاوات
وشعراءُ وعاهراتٌ ونباتاتٌ
من كلِّ
زوجين اثنين!
                                   17/يناير/2014












«11» بحر الظلمات

ما أشبه الليلة ببيروت
دبابيسُ من الضوء تُرصِّع الجبل الساحلي- في البعيد-
كما النجوم
وقمر مكتمل خلف أربعة سكارى
خرجوا من مطعم «دنيز»
الذي يسرق السائحين في وضح النهار
منشدين أغنية من السبعينيات
ومصوبين حناجرهم تجاه البحر المظلم
لا أمواج في خليج إزمير
فقط عواميد إنارة
وكلابٌ بدينة وعمالُ نظافة
رد فعلٍ وحيد
كان قهقهة أنثوية ماجنة
في غرفة مجاورة
ودومًا ثمة كاتبٌ
يجلس في شرفته بالدور السادس
بأوتيل «إزمير بالاس»
ويصوِّب قصائِدَه كذلك
تجاه البحر المظلم!
                                   17/يناير/2014









«12» هدهد

رجلٌ وامرأةٌ
يمتطيان السحاب
ركنا غيمتهما على الرصيف
وهرعا إلى الأريكة الخشبية
ليواجها ظلمات البحر،
- قُربَ السيارة -
عاملا إنشاء جَمَّعا خشبًا للتدفئة
وأشعلا فيه نارًا
وظلَّا بذكريات الطفولة يصطليان
خرج «جريجوري بيك» من فيلم «مقتل طائر مغرد»
ليرشد رجلًا - تعثرت امرأته
ذات الكعب العالي
على أحجار «الكُوبِل»
وضحك منها فتيان عابثون -
كيف يتصرف كجنتلمان!
ظهر هدهد فجأة
بديلًا عن النوارس والغربان
فوق الشجيرة الوحيدة الباقية
في الممر الساحلي
ثم أنكر الجميع ظهوره
في الصباح التالي - بإصرار عجيب -
إذ إن الهدهد طاف ببحر الظلمات
وكان يعلم الحقيقة!
                                   17/يناير/2014











إزمير «3»























«1» غراب وقمر

حين ينتهي البوغاز
يبدأ نبضُ قلبك
أفي بحر إيجةَ تُبْتَلى الأَنْفُسُ؟
غرابٌ وقد على طاولتي حطَّ
نَقَّر في فُسْتُقي وذاق نبيذي
ثم حدجني بنظرة عتابٍ سريعة
مغادرًا إلى نخلته المجاورة
إذ إنني تجاهلت من شرفتي
نظراتٍ مائجةً بالشهوة
لامرأة عابرة!
***
صديقتي إزمير
ماذا كنتِ فاعلةً
بنصف قمر برتقالي سكران؟
أَنُلقيه خلف سفينة الركاب؟
أم نعلقه فوق النخلة المجاورة لشرفتي
كيما يُضيءَ للغراب عشه؟
أم نطوحه على سطح الماء
ليُرشد غريبًا يجوب الساحل
بحثًا عن حبيبته؟
أنثقبه حتى يرسو في القاع،
علَّه يعْلَق في سنارة أحد هذين الصيادين
اللذيْن يصارعان المطر وحدهما
آخر الليل
تحت مظلتيْن؟
                                   6/يونيو/2014



«2» قرص حائر

ماذا نصنع بقرص الشمس الأحمر
إذ ينزلق خلف البحر
مرحى، إذن، للذين اتخذوا من الجبال بيوتًا
سيرون إلى أين يهبط،
كذا بائعة الورد الغجرية
سمَّرت عينيها تجاهه
وصدحت، فجأة، بأغنية ميلانكولية،
الغريبُ الباحث عن حبيبته
وقف أسفل الفندق بين النخلتين
ليتأمل سقوط القُرص
مُطْلقًا ضحكة مخبولة،
عازفا كمانٍ جوَّالان
اصطادا سائحَيْن بريطانيين
قرب المرفأ
وأفرغا ما بجيوبهما،
كلاب الشاطئ عوت
موجهة رؤوسها للسماء،
عاشقان في المطعم البحري
اصطكَّت كأساهما
في صحة ليل مخاتل،
امرأتان ناهدتان لهما نفس القامة
اتفقتا على أن القرصَ
ليس إلا لحظةَ سعادة مجانية،
أما أنت يا صديقي
يا أيها الشاعر البوهيمي
فجالسًا ما زلت في شرفتك
بين النخلتين
قبالة الماء
وها هو البحر أتى ليمتصك
ليُخرج أفضل ما فيك
ويصرفَ خَبَثَك في ماسورة جانبية
لن تحط - حتى الغربانُ -
يومًا عليها!
                                   7/يونيو/2014











«3» حين يحتلك البحر

ويخترق البحر مسامَّكَ
فتتصبَّبُ مِلْحًا
بالأمس ذرفت سمكة عقربٍ حمراء
حُزنًا على ابتلاع إحدى سفن الركاب
لقمرك البرتقالي المشطور،
ثم مارَتْ في جسدك المدينة
فتقيأت بِضْعَ حسناواتٍ
يتبخترن على الشاطئ
في سراويلَ جِد قصيرة،
تجشَّأْتَ موسيقيين جوالين
يلعبون الكرة في وقت فراغهم
راكنين آلاتهم
على جدار رئتك المنهكة،
أما بائعو بلح البحر
الذين تطاردهم البلدية
فقد خرجوا آمنين من أنفك
مع دخان التبغ،
حانة سمسم: «Sisim Meyhane»
تحشرجت داخل عنقك
حتى بصقْتَها صياحًا وموسيقا
ومأكولاتٍ بحرية ،
يا صديقي
حين يحتلك البحرُ لا تقاومْ
أعرف شخصًا حاول مقاومة احتلال البحر
والبحث عن استقلالٍ مزعوم
فمات كَمَدًا وغرقًا ،
فلتَطْفُ، إذن، معي على سطح الماء
لنُلَوِّح من بعيد
للباحث عن حبيبته
حين ألْفاها بين النخلتين
وأسفل الفندق قَبَّلها
وَقْتَ نَظَرَت للأعلى
فابتسم لها الشاعر البوهيمي من شرفته
وابتسمَتْ
وكان قرص الشمس الأحمر
قد اختفى بالفعل
خلف الجبال!
                                   7/يونيو/2014








«4» قمر مخنوق

«ويْلي ويَا وَيْلي
أين اختفى قمري
خلف السُّحْبِ السوداءِ
أم انْتَ لا تَدري»
هكذا غنت لنا الغجرية
لقاء ليرتين
لَيْلتها كدنا نقفز
في الماء طربًا ،
قمر مخنوق
ظلَّ الفلاحون في ريف بلادي
يُطَبِّلون ويقرعون له الأواني
حتى يصفو
هل هكذا يا بحرَ إيجةَ
يختفي قمرك فجأةً
مخنوقًا
خلف سحابةٍِ سوداء!؟
                                   8/يونيو/2014











«5» كيف حدث هذا؟

أمتلك نقودًا في جيبي
وأمتلك ناصية هذا البحر
كيف إذن حين قَبَّل
عاشقان بعضهما
بين نخلتين
اختفى أبي
خلف سحابة
سوداء؟
                                   8/يونيو/2014




«6» نادل أعزل

للأحاديث الصاخبة عُمْرٌ افتراضي
فهي تظل تطوف بالمطعم البحري
قرابة ساعةٍ
بعد مغادرة أصحابها
وحين تصير عدمًا
تصدر فرقعة خفيفة
تمامًا كالتي حدثت للتو
حين هاجم غراب النخلة
النادل الأعزل بمنقاره
وهو يروي النباتات
بعد انصراف الزبائن
وقد خال الحَسَنَة في صلعته
ثمرةَ زبيب!
                                   8/يونيو/2014



«7» قطط إزمير

للأسماك عُمْرٌ افتراضي ،
للبشر عمر افتراضي ،
للحب عمر افتراضي ،
للمهاجرين الذين يتدفقون يوميًا على الساحل
أيضًا حلم افتراضي ،
عدا قطط إزمير البدينة ؛
فهي تقضي نصفَ وقتها
في التهام بقايا السمك من فضلات المطاعم
أو من الصيادين
والنصفَ الآخرَ في النوم
أو في لعق أجسادها
والأدهى من ذلك
أنها تظن نفسها
سيدة المكان
وتعامل الكلاب الضالة والغجر
- الذين يحتلون المكان ليلًا - كعبيد
ولا تشغل نفسها بالعمر
ولا بالافتراض
ولا حتى بالأحلام!
                                   9/يونيو/2014





«8» مونتاج قاس

كلب ضال في الثانية ليلًا
يلاحق عاهرةً
قد أطعمته بقايا الدجاج من حقيبتها
راغبًا في أن يبيت ليلته معها ،
امرأة في ثوب عرسها الأبيض
تُعْوِلُ أمام البحر
بعد أن قفز العريس في الماء هربًا
ولم يظهر منه سوى بذلته السموكن السوداء
طافيةً بعلامة تعجب فوقها!
عازف كمانٍ جوال
يصدح بأناشيد الزفاف - ما زال -
جوار المرأة المنكوبة
لأنه ثَمِلَ ولم يُفق بعد
إلى فقدان الرجل ،
العاشق الذي وجد حبيبته بعد لَأْيٍ
هرول أمام الجميع حاملًا إياها
ثم اختفى من المشهد
(كانت ثَمَّ كواليسُ جانبيةٌ عديدةٌ وقتذاك)
سمكة دنيس
تألقت فضتها في ضوء القمر
حين رفَعَتْها في الهواء
سنارةُ صيادٍ أعمى،
دواة حبر أسود انسكبت
مُلطخة قميصًا أبيض
كان يرتديه الشاعر البوهيمي
أما شرفته وطاولته وشرابه
ونخلتاه بغرابِهما
فقد تم حذفها جميعًا
- لاحقًا -
في المونتاج !
                                   9/يونيو/2014




«9» وداعًا

أقول وداعًا لإزمير
لبحر إيجةَ
للسفن التي تُسيل ضوءَها
من بعيدٍ
ذهبًا وفضةً على سطح الماء
للعاهرات المجلجلةِ ضحكاتُهن ما زالت
في الهواء المشبَّع باليود
للصياد المكافح عاصفةً وحده
إلى أن دمَّرَتْ مظلتَه السيولُ
لجثة اليمامة التي ضربها البرقُ أمام عينيَّ
فتناوب على التهامها الغرابُ والنورسُ
لموسيقيٍّ جَوَّالٍ غنَّى لنا
من وراء زجاج المطعم
لقاء ليرتين
لزهور الچيرانيوم في شرفتي
التي اهتزت طربًا وقتَ رَوَيْتُها
للمهاجرين الآتين من خلف الجبالِ
حالمين بهذي المدينةِ
وداعًا أقولُ
وداعًا حبيبتي إزمير
                                   10/يونيو/2014







الديوان صدر ورقيا عام 2015
عن دار آفاق بالقاهرة


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.